احبتى فى الله والاخوه الكرام
كان يا مكان..... كان الآن
معاكم اخوكم عادل الغلبان: الراجى عفو ورضا الرحمن :صلاة وشفاعة المختار العدنان
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا.. وانت تجعل الحزن إن شئت سهلا..
إخوانى في الله
(........ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "216") من البقره
الحق سبحانه وتعالى يقول:
لا تحكموا في القضايا الكبيرة في حدود علمكم؛ لأن علمكم دائما ناقص، بل
خذوا القضايا من خلال علمي أنا؛ لأنني قد أشرع مكروها، ولكن يأتي منه
الخير. وقد ترون حبا في شيء ويأتي منه الشر.
ولذلك ينبهنا الحق إلى أن كثيرا من الأمور المحبوبة عندنا يأتي منها الشر،
فيقول الواحد منا: "كنت أتوقع الخير من هذا الأمر، لكن الشر هو ما جاءني منه".
وهناك أمور أخرى نظن أن الشر يأتي منها، لكنها تأتي بالخير. ولذلك يترك
الحق فلتات في المجتمع حتى يتأكد الناس أن الله سبحانه وتعالى لا يجري
أمور الخير على مقتضيات ومقاييس علم العباد،
إنما يجري الحكم على مقتضى ومقاييس وعلم رب العباد.
ولننظر إلى ما رواه الحق مثلا للناس على ذلك:
{وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا "60"
فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا "61" فلما
جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا "62" قال أرأيت
إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره
واتخذ سبيله في البحر عجبا "63" قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما
قصصا "64"}
(سورة الكهف)
إن موسى عليه السلام يسير مع فتاه إلى مجمع البحرين، ويقال: إنه ملتقى
بحرين في جهة المشرق، وكان معهما طعام هو حوت مملوح يأكلان منه، لكن السفر
والمشقة أنساهما الحوت وانطلق الحوت بآية من الله إلى البحر، وعندما وصل
موسى إلى مجمع البحرين طلب من فتاه أن يأتي بالطعام بعد طول التعب، لكن
الفتى يقول لموسى:
إنه نسى الحوت، ولم ينسه إياه إلا الشيطان. وإن الحوت اتخذ طريقه إلى البحر، فقال موسى:
إن هذا ما كنا نطلبه علامة على وصولنا إلى غايتنا وهي مجمع البحرين، أي
أمر الحوت وفقده هو الذي نطلب، فإن الرجل الذي جئنا من أجله هناك في هذا
المكان، وارتد موسى والغلام على آثارهما مرة أخرى.
فما الذي يحدث؟ يلتقي موسى عليه السلام بالعبد الصالح الخضر، وهو ولي من
أولياء الله، علمه الله العلم الرباني الذي يهبه الله لعباده المتقين
كثمرة للإخلاص والتقوى.
ويطلب موسى عليه السلام من العبد الرباني سيدنا الخضر عليه السلام أن
يتعلم منه بعض الرشد. لكن العبد الرباني الذي وهبه الله من العلم ما يفوق
استيعاب القدرة البشرية يقول لموسى عليه السلام:
{قال إنك لن تستطيع معي صبرا "67" وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا "68" }
(سورة الكهف)
لقد كان موسى على علم سابق بأن ضياع الحوت هو مسألة في ظاهرها شر لكن في
باطنها خير؛ لأن ذلك هو السبيل والعلامة التي يعرف بها موسى كيف يلتقي
بالعبد الصالح.
ويستمر السياق نفسه في قصة موسى والعبد الصالح، قصة ظاهرها الشر وباطنها الخير،
سواء في قصة السفينة التي خرقها أو الغلام الذي قتله، أو الجدار الذي أقامه.
لقد كان علم العبد الصالح علما ربانيا، لذلك أراد موسى أن يتعلم بعضا من
هذا العلم لكن العبد الصالح ينبه موسى عليه السلام أن ما قد يراه هو فوق
طاقة الصبر؛ لأن الذي قد يراه موسى من أفعال إنما قد يرى فيها شراً
ظاهراً، لكن في باطنها كل الخير.
وقبل موسى عليه السلام أن يقف موقف المتعلم بأدب مع العالم الذي وهبه الله العلم الرباني.
ويشترط العبد الرباني على موسى ألا يسأل إلا بعد أن يحدثه العبد الرباني عن الأسباب.
ويلتقي موسى والعبد الرباني بسفينة فيصعدان عليها، ويخرق العبد الرباني السفينة، فيقول موسى:
{أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا}
(من الآية 71 سورة الكهف)
فيرد العبد الصالح:
{ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا "72"}
(سورة الكهف)
ويتذكر موسى أنه وعد العبد الصالح بالصبر، لكن ما الذي يفعله موسى وقد وجد
العبد الصالح يخرق سفينة تحملهم في البحر؟ إنه أمر شاق على النفس. ولذلك
يقول موسى:
{قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا "73"}
(سورة الكهف)
إن موسى يعود إلى وعده للعبد الصالح، ويطلب منه فقط ألا يكلفه بأمور تفوق
قدرته. وينطلق العبد الصالح ومعه موسى عليه السلام، فيجد العبد الصالح
غلاما فيقتله، فيقول موسى:
{أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا}
(من الآية 74 سورة الكهف)
ويذكر العبد الصالح موسى أنه لن يستطيع الصبر معه، ويعتذر موسى عما لا
يعلم. ويمر العبد الصالح ومعه موسى بقرية فطلبا من أهل القرية الضيافة،
لكن أهل القرية يرفضون الضيافة، ويجد العبد الصالح جدارا مائلا يكاد يسقط
فيبدأ في بنائه، فيقول موسى:
{لو شئت لتخذت عليه أجرا}
(من الآية 77 سورة الكهف)
ويكون الفراق بين العبد الصالح وموسى. ويخبر العبد الصالح موسى بما لم يعلمه ولم يصبر عليه.
إن خرق السفينة كان لإنقاذ أصحابها من اغتصابها منهم؛ لأن هناك ملكا كان
يأخذ كل سفينة صالحة غصباً، فأراد أن يعيبها ليتركها الملك لهؤلاء
المساكين.
وقتل الغلام كان رحمة بأبوية المؤمنين، كان هذا الابن سيجلب لهما الطغيان والكفر، وأراد الله أن يبدله خيراً منه.
وأن الجدار الذي أقامه كان فوق كنز، وكان ليتيمين من هذه القرية وكان والد
الغلامين صالحاً، لذلك كان لابد من إعادة بناء الجدار حتى يبلغ الغلامان
أشدهم ويستخرجا الكنز
ويقول العبد الصالح عن كل هذه الأعمال:
{وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا}
(من الآية 82 سورة الكهف)
إن العبد الصالح لا ينسب هذا العمل الرباني لنفسه، ولكن ينسبه إلى الخالق الذي علمه.
إذن فالحق يطلق بعضاً من قضايا الكون حتى لا يظن الإنسان أن الخير دائما فيما يحب، وأن الشر فيما يكره، ولذلك يقول سبحانه:
"وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم"
وبمناسبة ذكر الكره نوضح أن هناك "كَره" و"كُره"
إن "الكَره" بفتح الكاف: هو الشيء المكروه الذي تحمل وتكره على فعله،
أما "الكُره" بضم الكاف فهو الشيء الشاق.
وقد يكون الشيء مكروها وهو غير شاق، وقد يكون شاقا ولكن غير مكروه. والحق يقول:
"كتب عليكم القتال وهو كُره لكم".
ولنلاحظ أن الحق دائما حينما يشرع فهو يقول: "كُتب" ولا يقول: "كَتبت"
ذلك حتى نفهم أن الله لن يشرع إلا لمن آمن به؛
فهو سبحانه لم يكتب على الكافرين أي تكاليف، وهل يكون من المنطقي أن يكلف الله من آمن به ويترك الكافر بلا تكليف؟
نعم،
إنه أمر منطقي؛ لأن التكليف خير، وقد ينظر بعض الناس إلى التكليف من زاوية
أنه مقيد، نقول لهم: لو كان التكليف الإيماني يقيد لكلف الله به الكافر،
ولكن الله لا يكلف إلا من يحبه،
إنه سبحانه لا يأمر إلا بالخير، ثم إن الله لا يكلف إلا من آمن به؛ لأن العبد المؤمن مع ربه في عقد الإيمان.
إذن فالله حين يقول: "كُتب" فمعنى ذلك أنه سبحانه يقصد أنه لم يقتحم على أحد حركة اختياره الموهوبة له،
والله سبحانه وتعالى قد ترك للناس حرية الاختيار في أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا.
ومن آمن عن اختيار وطواعية فقد دخل مع الله في عقد إيمان،
وبمقتضى هذا العقد كتب الله عليه التكاليف.
إنها قضية عامة كما قلنا. لذلك فعلينا أن نرد الأمر إلى من يعلمه،
"والله يعلم وأنتم لا تعلمون"
فكل أمر علينا أن نرده إلى حكمة الله الذي أجراه؛ لأنه هو الذي يعلم.
وهناك قصة من التراث الإنساني تحكي قضية رجل من الصين، وكان الرجل يملك
مكانا متسعا وفيه خيل كثيرة، وكان من ضمن الخيل حصان يحبه. وحدث أن هام
ذلك الحصان في المراعي ولم يعد، فحزن عليه، فجاء الناس ليعزوه في فقده
الحصان،
فابتسم وقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك شر لتعزوني فيه؟
وبعد مدة فوجئ الرجل بالجواد ومعه قطيع من الجياد يجره خلفه، فلما رأى الناس ذلك جاءوا ليهنئوه،
فقال لهم: وما أدراكم أن ذلك خير، فسكت الناس عن التهنئة.
وبعد ذلك جاء ابنه ليركب الجواد فانطلق به، وسقط الولد من فوق الحصان فانكسرت ساقه، فجاء الناس مرة أخرى ليواسوا الرجل
فقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك شرا؟
وبعد ذلك قامت حرب فجمعت الحكومة كل شباب البلدة ليقاتلوا العدو، وتركوا هذا الابن؛ لأن ساقه مكسورة، فجاءوا يهنئونه،
فقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك خير؟ فعلينا ألا نأخذ كل قضية بظاهرها، إن
كانت خيرا أو شرا، لكن علينا أن نأخذ كل قضية من قضايا الحياة في ضوء قول
الحق:
{لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}
(من الآية 23 سورة الحديد)
والحق هو القائل: "والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
ولله المثل الأعلى، سبق لنا أن ضربنا المثل من قبل بالرجل الحنون الذي يحب
ولده الوحيد ويرجو بقاءه في الدنيا، لذلك عندما يمرض الابن فالأب يعطيه
الدواء المر، وساعة يعطيه الجرعة فالابن يكره الدواء ولكنه خير له.
انتظرونى وفضفضه اخرى.... ولو مت فى الفردوس الاعلى ان شاء الله